الكاتب: محمود درويش
ليس من الطبيعيّ أن تمرّ بديوان خالصٍ من الشعر، لا بدّ أن يمتزج فيه شيء من المراهقة الشعريّة على أرض اللغة وسطح المعنى، وأن تلتقي بديوان كاملٍ من القصائد المنتقاةِ كنرجس الحبيبية، فهذا يعني أن دهشةً ما، استثنائيّة، تحوطك وتعملُ بك ما عملت اللغة بأسلافك الملعونين باللغة، المهجوسين بالقصيدة بيتًا فبيتًا. عنوان لا يحمل من اسمه سوى شاعريته، وما الغريبةُ وسريرها سوى قصّة حبّ تلكّأ فيها الشعر، فكانت هذه القصيدة، ثمّة مفارقة غريبة تكتنف هذا الديوان؛ إذ عادةً ما يكون العنوان -عنوان الديوان- مقتطفًا من عنوان قصيدة داخلية. بهذا الديوان، لا نجد قصيدة بعنوان “سرير الغريبة”، عن أيّ سريرٍ يتحدث درويش إذن؟ أو مَن هي الغريبة؟ -لا شكّ أنّ “الغريب” و”الغريبة” و”الأجنبيّة” و”الأجنبي” و”المنفيّة” و”المنفيّ”، ألفاظ تشيع في الديوان كظلّ أنيق، إلّا أنّ دلالة الغريبة غريبةٌ هاهنا. كيف للحبيبة أن تصير غريبة؟ إن درويش لا يجد المعنى سوى ما هو في الهامشي؛ إذ يسألها أسئلة صعبة ومريرة بلون الملح: “من أنا دون منفى؟” و”ماذا سنفعلُ من دون منفى؟”؛ أي إنّ التجربة لا تنضج إلا في غير العاديّ، والعاديّ قتلٌ مبكّر لأي تجربة تريد أن تبتكر ظلًّا في الليل، وشمسًا بعد غروب النهار، هذه الغرابةُ، هذا المنفى، هذه “السوناتا”، ليس لها من معنى سوى أن تكون منفيّة؛ عن ذاتها، الأرض، الحبيبةُ-الرسميّة، الأمّ. يتلبّس الدرويش كاهنٌ من سلالة أهل الخرافة في هذا الديوان، إنّه يملي على الأنثى ما لم تقله ولن تقوله، إنّه سَفَرٌ عميق في ما تتحدث عنه الأنثى وبينها وبين حريرها في الليل، قالت له ذات قصيدة: “ليتك امرأة لترى ما أرى”، ودرويش لبّى هذا الرّجاء الشعري فكان أبعد من المرأة، لقد وقف على كتفيها الميتافيزيقيين ورأى أبصر مما رأتْ: رأى شعْرها بدوًا ينامون ولا يحلمون، ورأى اسمه في حلمها، ورأى جميل بثينة يسطّر له الحبّ قاعدة قاعدة بالشّعر، ورأى ما تفعله سيّدةٌ بشاعر يكسّر زرّها الذهبي مجاديف شعره وقلبه معًا، هاهنا، لا بدّ من إلماحة سريعة عن المرأة الدرويشيةّ، إن المرأة عند درويش ليست امرأة نزار قبّاني أو المرأة المشتهاة في شعرنا المتداول، إنّه امرأة يصنعها الشاعر ولا تملي هي عليه أيّة تفاصيل سوى ما يمليه هو، إنها الجسد وقد حلّق فوق الزمان والمكان فكان لاتناهيًا شفيفًا كضوء اللوزة، إن المرأة لا تغار على نفسها من قصيدة لنزار، إنما تغار من قصيدة لدرويش: هذا الصعلوك اللغوي كيف تقمّصها بكامل مشمشها ليلقي بها في حبائل لغة تشفّ عن ما بينه و بينها وفقط. فـ هذا الديوان هو واحد من أفضل الأعمال الشعرية التي قدمها لنا درويش سواء من حيث أفكار القصائد أو من حيث القوافي والوزن و يعتبر محمود درويش من أفضل من كتب الشعر الحر وقد أنجلت عبقريته الشعرية في هذا الديوان ومن قصائده المشهورة أغنية زفاف- لم أنتظر أحد. بكأس الشراب المرصّع باللازرود انتظرها، على بركة الماء حول السماء وزهر الكولونيا انتظرها، بصبر الحصان المعدّ لمنحدرات الجبال انتظرها، بسبع وسائد محشوة بالسحاب الخفيف انتظرها، بنار البخور النسائي ملء المكان انتظرها.
تحميل كتاب ديوان سرير الغريبة ، كتاب ديوان سرير الغريبة pdf للتحميل المجاني ، تحميل كتب pdf، وكتب عربية للتحميل، تحميل روايات عربية ، تحميل روايات عالمية ، روايات pdf ، تحميل كتب محمود درويش pdf ، تحميل جميع كتب ومؤلفات محمود درويش ،و اقرأ مقالات مفيدة ، تذكر كل هذا وأكثر على مكتبة الكتب.
هذا المحتوى مخفي
جميع خدماتنا مجانية .. يرجى دعمنا والمشاركة علي إحدى مواقع التواصل الإجتماعي
أو انتظر 10 ثانية لظهور المحتوى