إن التعامل مع الأطفال مختلف إلى حد كبير عن التعامل مع الشباب أو الكبار، حيث أن “قوة الكلمة” بالنسبة لهؤلاء مرتفعة للغاية مقارنةً بغيرهم، وبالتالي، على الوالدين أن ينتقيا بعناية بالغة الكلمات التي يتم توجهيها إلى أبنائهم وذلك لما لها من تأثير عليهم.
بالتوازي مع هذه الفكرة المهمة، وارتباطًا بالتعلم الذي يعتبر أمرًا مهمًا لهذه الفئة العمرية، تقدم الكاتبة الفرنسية Valérie Roumanoff في كتابها “في المدرسة مثل سمكة في الماء: تعزيز نمو طفلك في المدرسة / A l’école comme un poisson dans l’eau: favoriser l’épanouissement de votre enfant à l’école” 5 كلمات يجب استبدالها بأخرى خلال التواصل مع الأطفال وذلك من أجل تشجيعهم على التعلم وضمان تأثير إيجابي عليهم؛ وهذا بالضبط ما سنحاول أن نستعرضه في القادم من الأسطر.
“واو العطف” بدل “لكن”
إن كلمة “لكن” لها طابع إلغائي، يبطل كل ما سبقه، فإن قلت لطفل مثلًا “أنا أحبك، لكنك تثير عضبي” فلن يأخذ من العبارة إلا جزءها الثاني. وبالتالي، عليك أن تعتمد على حروف العطف في عباراتك مع الأطفال بدل كلمة “لكن”. كأن تقول مثلًا “قم بواجباتك المدرسية ثم يمكنك اللعب بعد ذلك” بدل أن تقول “يمكنك اللعب لكن عليك أن تقوم بواجباتك المدرسية”، أو أن تقول مثلًا “أثق بك والآن ابدأ المذاكرة” بدل أن تقول “أثق بك لكن عليك الآن أن تبدأ المذاكرة”.
من خلال هذين المثالين، يمكن أن تلاحظ وقع كلمة “لكن” على الطفل المُتلقي وما مدى تأثيرها عليه.
لماذا لا يحب الأطفال المدرسة؟
التأكيد بدل النفي
إن عبارات التأكيد تمرر بطريقة غير مباشرة مجموعة من الآمال وما قد ينتظره الكبار، وبالتالي يستطيع الطفل أن يفهم بسهولة المطلوب منه وينفذه، بينما عبارات النفي فلا تقدم سوى المحظورات وما يجب تجنبه وعدم القيام به، والتي -اعتبارًا أن الطفل يتسم في الغالب بالعناد- قد تؤدي دورًا عكسيًّا فيصر الطفل على القيام بما نهيته عنه.
أيضًا، أن تخبر الطفل ألا يقوم بعمل ما لا يعني بالضرورة أنك تحثه على القيام بنقيضه، مثلًا، إن قلت للطفل “لا تسهر على التلفاز” لا يعني أنك تأمره أن ينام مبكرًا. وبالتالي، يفضل أن تعتمد على عبارات التأكيد والتي تساهم على الإفصاح بطريقة مباشرة عما تريده وليس على النفي الذي لن يؤدي غرضه مع الطفل. مثلًا، أخبره أن عليه أن ينجح، وليس عليه ألا يفشل، ضمنيًّا أنت هنا تحفزه.
“بمجرد أن” بدل “عندما”
إن استبدال كلمة “عندما” بكلمة “بمجرد أن” يوحي بأن الفعل المنتظر قريبٌ جدًّا، الأمر الذي سيحفز الطفل على السعي نحوه وانتظاره. مثلًا أن تقول “بمجرد أن تنتهي من حفظ الدرس، ستحصل على هدية” بدل “عندما تنتهي من حفظ الدرس، ستحصل على هدية”، أو أن تقول “بمجرد انتهاء الدراسة، سنسافر” بدل قول “سنسافر عندما تنتهي الدراسة”.
الفرق بين العبارتين أنك تقدم للطفل وعدًا بأن الأمر سيحصل وتأكيدًا على ذلك، بينما نسبة الشك في العبارة الثانية تبقى أكبر بشكل يفقده الحافز والانتظار.
الأطفال يتعلمون كثيرًا من خلال الاستكشاف واللعب
“إن” بدل “عندما”
في بعض العبارات عليك أن تسخدم “إن” بدل “عندما” أو “بمجرد أن”، كأن تقول مثلًا للطفل “إن لم تستطع فهم الدرس، اطلب من المعلمة أن تشرحه لك” بدل أن تقول “عندما لا تفهم الدرس، اطلب من المعلمة أن تشرحه لك”، في العبارة الأولى، أنت تطرح للطفل احتمالًا قد يحدث أو لا يحدث بينما في العبارة الثانية فأنت متأكد حتمًا أنه سيقع في هذا الموقف ولن يفهم الدرس، وهو انطباع خاطئ لا يجب أبدًا أن يشعر به الطفل!
وبالتالي، فاعتماد “إن” بدل “عندما” يساعدك على عد الاحتمالات واستباق النتائج دون تحسيس الطفل بأنك تتوقع حدوث ذلك.
“حتى الآن” بدل “أبدًا”
إن التعلم هو عملية لا نهاية لها، وبالتالي على الآباء أن يعلموا أبناءهم أن للتعلم استمرارية، وعليهم أن يسعوا دائمًا للتطوير من أنفسهم والثقة فيها. فإن لم يستطيعوا القيام بأمر ما، فلا يعني ذلك أنهم عاجزون، وإنما هم في طور التعلم من أجل القيام بذلك. وبالتالي، يجب استبدال عبارات مثل “أنت لا تعلم أبدًا” أو “أنت لا تفهم أبدًا” بـ “أنت لا تعلم حتى الآن” أو “الآن أنت لا تفهم”… وغيرها من العبارات التي تفيد نفس السياق.
قد تعتقد أن العبارات بسيطة لا تستدعي أبدًا خلق هذه التغييرات، وقد تظن أنها طفيفة لن تُحدث أي اختلاف. لكنها في الحقيقة ذات نتيجة مختلفة قد تلحظها مع مرور الوقت لما لها من انعكاس على طفلك وعلى قدراته التعلمية.