الكاتب: حسنين بن عمّو
رحمانة، فتاة في ريعان الشباب وفي عزّ الحلاوة والشّقاوة، أدارت الرؤوس وملكت الألباب، أحلامها أكبر من أن تسعها حومة باب سويقة، وحرام أن يُحبس حسنها في إحدى الدّور، وعلى بعد مرمى حجر منها تتشامخ القصور، طموحها يهزّها من قاع المدينة إلى أعالي القصبة حيث العزّ والترف والسّلطان. خطوات قليلة تفصلها عن القصر، وموانع عديدة تباعد بينها وبين تحقيق المرام. لكن اطلالة الأقدار عليها ذات عشية صيفية قادت خطواتها إلى القصر الكبير، فإذا بالحلم يتحقق، وما كان له أن يتحقق، فقد انفتح على غير ما تخيّلت وتمنّت، فإذا بالواقع يدحرها ويعصف بأحلامها، ويطوّح بها إلى أيدي غرباء ينالون منها في أعزّ ليلة من ليالي العمر، وإذا بالأحداث الجسام تنهال على مدينة تونس وعلى أهاليها جرّاء حرب جند التّرك ضد الإسبان، حمى وطيسها بسبب فقدان ملك البلاد مولاي الحسن الحفصي للقوّة وللسلطان، فكانت النّكبة التي طالت البيوت، فهتكت الأستار وقوّضت الإعمار، وكانت العاصفة التي فرّقث وشرّدت، وفي خضمّها طار من رحمانة الدليل والصّواب، فعميت عن حضن يحفظها ويسترها، وألقت بنفسها مرّة أخرى إلى وهج السّراب، فكان المآل .. عفر الوجه في التّراب.
هذا المحتوى مخفي
جميع خدماتنا مجانية .. يرجى دعمنا والمشاركة علي إحدى مواقع التواصل الإجتماعي
أو انتظر 10 ثانية لظهور المحتوى