الكاتب: كرين برينتون

"يروي بيركمان الفوضوي المعروف بمقته للثورة البلشفية قصة مفادها: أنه سأل بلشفياً جيداً من معارفه أثناء فترة محاولة إكمال إضفاء النزعة الشيوعية تحت حكم لينين لماذا لم يتم تأميم عمل سائقي سيارات الأجرة المشهورين في موسكو الذين واصلوا الحصول على مبالغ ضخمة بالروبلات الورقية لقاء خدماتهم شأنهم شأن كل شيء آخر. فأجاب البلشفي: لقد وجدنا أننا إذا لم نطعم البشر فإنهم يبقون يحيون نوعاً ما. أما إذا لم نطعم الخيول فتموت هذه الحيوانات الغبية. لذا لم نؤمم عمل سائقي الأجرة. هذه ليست قصة تبعث على السرور تماماً وقد يأسف المرء في بعض النواحي للقدرة البشرية على العيش بدون طعام. إلا أنه واضح أننا إن كنا أغبياء أو ذوي حس كالخيول فيجب ألا تحدث ثورات." هكذا يختم برينتن كتابه التشريحي للثورات بأفضل طريقة ممكنة.. لكن، أخشى أن طريقة طرح المتن لم تكن بذات التوفيق. يتحدث الكتاب عن دراسة تحليلة لأربع ثورات بحثاً عن نمط متكرر يتشابه فيما بينها. وهذه الثورات هي: الإنجليزية والأمريكية والفرنسية والروسية. كان أسلوب طرح الكتاب يتمثل بتقسيم الثورة بشكل عام إلى مراحل والحديث عن الثورات الأربعة ضمن كل مرحلة مما قد يسبب وبسهولة الأرتباك والشعور بالضياع والملل في نفس القاريء. ولو أنه تحدث في فصول أولى عن كل ثورة على حدا ثم وضع الفصول الأخيرة في تأطير الفصول الأولى ضمن التقسيم الذي يقترحه لحياة الثورة لبدا ذلك أفضل وأقرب لنفس القاريء –على الأقل من وجهة نظري-. يحسب للسيد برينتن أنه قدّم لدراسته هذه طرحاً علمياً قدر الإستطاعة مع التأكيد على وجود هامش للخطأ فيقول: " ليس حتى العلوم الدقيقة من مثل علم الفلك أو الفيزياء علوماً دقيقة بمعنى أنها مطلقة أو لا تخطيء. إن أكثر قوانينها رسوخاً تعد مؤقتة. وقد يقلبها المزيد من البحث. ولكن يجب ألا يعبث بها في أية لحظة معينة ما لم يثبت أنه لا يعتمد عليها بالنسبة إلى الحقائق الملاحظة." وهنا أجد تلك المفارقة الكبيرة بين تواضع السيد برينتن وتبجح السيد علي الوردي في كتابه مهزلة العقل البشري والذي كان في طرحه أشبه بمن يلقي الدروس الأخلاقية لخصومه في أسلوب فظ وتعالٍ لا متناه. تحدث السيد برينتن عن أسباب الثورات.. ومراحلها.. ونتائجها والتي يؤكد أنها بالعادة تنتهي إلى خلق نظام أشبه ما يكون بذلك الذي قامت الثورة عليه ! وهو يبرر في الإقتباس الذي بدأت فيه هذه المراجعة لماذا تقوم الثورات على أي حال إذا كانت تؤدي إلى نظام مشابه لما كان قبل الثورة. الكتاب بمجمله قيّم.. لكنه يحتاج إلى تأن وصبر في القراءة بل والرجوع إلى مراجع إضافية لشرح أحداث الثورات التي تناولها موضوع الدراسة.