الزمن: أحد أكثر المفاهيم بديهيةً وغموضاً في نفس الوقت

الماضي، الحاضر والمستقبل

جميعنا نعلم أن الزمن يسير بنا من الماضي إلى الحاضر فالمستقبل؛ لذلك دعونا نحاول وضع تعريف دقيق للمفاهيم السابقة علّها تسهّل علينا تناول مفهوم الزمن. في البداية نلاحظ أن مرور الزمن مرتبط بتغير الكون من حولنا، إذ لو تخيلنا كوناً لا يتغير فيه شيء ولا حتى النشاط العصبي داخل أدمغتنا، فلن يكون هناك معنىً لمرور الزمن في هذا الكون. إذاً فالزمن لا ينفصل عن التغير، وهما مفهومان متلازمان. سنقول عن حدثين أنهما متزامنان بالنسبة إلى راصد ما عندما يحدثان معاً بالنسبة لهذا الراصد، وسنقول أنّ جميع الأحداث في الكون والمتزامنة بالنسبة لراصد ما بأنها تشكل لحظةً زمنيةً بالنسبة لهذا الراصد، وسنعرّف الحاضر بالنسبة لراصد ما بأنه اللحظة الزمنية التي يوجد بها هذا الراصد. بينما سندعو جميع اللحظات الزمنية السابقة على الحاضر بماضي هذا الراصد في حين أننا سندعو جميع اللحظات الزمنية التي تلي الحاضر بأنها مستقبل هذا الراصد.


الزمن عند غاليليو ونيوتن

إن أول سؤال يمكن أن يخطر في بالنا هو: هل الحاضر هو نفسه لجميع الراصدين في الكون؟ لقد كان جواب غاليليو ونيوتن بالإيجاب. فقد اعتبرا أنه إذا تزامن حدثان لدى راصد ما، فسيكونان متزامنين لدى جميع الراصدين؛ وبالتالي فمرور الزمن مستقل عن المراقبين. لذلك كان مفهوم الزمان المطلق هو أحد الأسس التي بنيت عليها فيزياء غاليليو ونيوتن. فوفقاً لغاليليو ونيوتن، الزمان والمكان مطلقان وموجودان بشكل مستقل عن المادة في الكون.


الزمن عند أينشتاين

عندما كان أينشتاين يعمل على نظريته في النسبية الخاصة، وكان يحاول التوفيق بين مبدأ النسبية الذي ينص على أن قوانين الفيزياء هي نفسها لدى جميع المراقبين الغاليليين (هم المراقبون الذين تصح لديهم قوانين نيوتن) وبين قوانين الكهرطيسية كما تتلخص في معادلات ماكسويل، وجد أن مفهوم الزمان المطلق يقف عقبةً جسيمةً في وجه هذا المشروع.

وهنا قام أينشتاين بأمر عبقري للغاية، ألا وهو التعمق في فهم الزمن، وبالتحديد فهم معنى التزامن في حد ذاته. ولقد رأى عبر محاكمة طويلة بأنه كي يكون لدينا معنى للتزامن، سنحتاج إلى شيء يتحرك بسرعة ثابتة بالنسبة إلى جميع المراقبين الغاليليين. وهذا الشيء بالنسبة لأينشتاين، كان الضوء في حد ذاته، وسرعة هذا الشيء الثابتة يُقصد بها سرعة الضوء في الخلاء. لقد نتج عن هذا تغييرات جذرية في فهمنا للزمان والمكان، فوفقاً للنسبية لم يعد هناك مكان مطلق أو زمان مطلق (ففيما يخص الزمن، الحدثان المتزامنان بالنسبة إلى راصد ما لا يشترط أن يكونا متزامنين بالنسبة إلى راصد آخر) ولقد بينت النسبية أن الشيء المطلق هو فضاء رباعي الأبعاد مكون من مزيج من الزمان والمكان نطلق عليه اسم الزمكان، حيث أن له ثلاثة أبعاد مكانية وبعداً زمنياً واحداً.

ومن أغرب نتائج النسبية الخاصة، هو أن الحاضر والماضي والمستقبل باتت مفاهيم نسبية تتعلق بالمراقب، فالحاضر لدى راصد ما لا يُشترط أن يكون هو الحاضر نفسه لدى راصد آخر. ويمكن لحدث ما أن يكون في حاضر راصد ما وماضي راصد آخر ومستقبل راصد ثالث مثلاً. وبما أنه لا يوجد راصد مميز عن الآخرين، يصبح للماضي والحاضر والمستقبل نفس الواقعية من ناحية الوجود، ومرور الزمن هو أشبه بوهم في الكون!

وفيما بعد عندما أتى أينشتاين بالنسبية العامة، أدرك أن ما يحدد شكل هندسة الزمكان هو الكتلة والطاقة الموجودتان في الكون. وبذلك أصبح الزمان والمكان ديناميكيان أي يتفاعلان مع المادة في الكون وليسا مستقلين عنها.


سهم الزمن

تمتاز قوانين الفيزياء بأنها عكوسة بالنسبة لمرور الزمن، بمعنى أنها لا تفرّق بين الماضي والمستقبل. فلو صورت لك كرةً تتحرك في الفضاء الخارجي على خط مستقيم وأعطيتك الشريط ولكنني كنت أشغله بالمقلوب، لن تتمكن من معرفة إن كان هذا الشريط مشغلاً بالمقلوب أو كما تم تصويره فعلاً. ومع ذلك، فنحن ندرك أن هناك فرقاً جوهرياً بين الماضي والمستقبل، وأن الزمن دائماً يتجه من الماضي إلى المستقبل وليس العكس، وهذا ما يدعى بسهم الزمن. فما هو السبب يا ترى؟

في الواقع، تبين أن سبب سهم الزمن هو القانون الثاني في الترموديناميك (الذي تحدثنا عنه في سلسلة مقالاتنا عن الإنتروبي) والذي ينص على أن إنتروبي الكون تتزايد باستمرار. ولفهم ذلك، لنتخيل أنك صورتني وأنا أترك لوح زجاج من يدي ليقع على الأرض ويتكسر. عندها لو أريت هذا الشريط بالمقلوب لشخص ما؛ فسيعلم فوراً بأن الشريط يشغل بالمقلوب، والسبب هو أنه لا نشاهد في حياتنا اليومية ألواح زجاج مكسورة تتجمع تلقائياً لتعطي لوح زجاج سليم، لأن ذلك سيخرق القانون الثاني في التيرموديناميك. فحالة الزجاج المكسور تمتلك إنتروبي أعلى من الزجاج السليم، وبالتالي سبب التمييز الذي نلاحظه بين الماضي والمستقبل هو أن المستقبل يمتلك حالةً أعلى من الإنتروبي مقارنةً مع الماضي. ولكن ذلك يعني أن الكون قد بدأ في حالة من الإنتروبي المنخفضة للغاية، فما هو السبب يا ترى؟ في الواقع، يعدّ هذا أحد أهم الألغاز التي لم تحل بعد في الفيزياء، وإن كانت توجد عدة فرضيات تحاول تفسيره.