تُعتبر العولمة ظاهرة عالميّة تسعى إلى تعزيز التكامل بين مجموعة من المجالات الماليّة، والتجاريّة، والإقتصاديّة وغيرها، كما تساهم في الربط بين القطاعات المحليّة والعالميّة؛ من خلال تعزيز انتقال الخدمات، والسلع، ورؤوس الأموال، كما تُعرَّف بأنّها عملية تطبقها المنظمات، والشركات، والمؤسسات بهدف تحقيق نفوذ دوليّة، أو توسيع عملها ليتحول من محليّ إلى عالميّ، كما أنها مصطلح جديد يعبّر عن ظاهرة قديمة، أدّت إلى جعل العالم قرية إلكترونيّة صغيرة تترابط أجزاؤها عن طريق الأقمار الصناعيّة والإتصالات الفضائيّة والقنوات التلفزيونيّة، وقد ورد عن علماء التاريخ أنّ العولمة ليست ظاهرة جديدة بل قديمة ترجع في أصلها وبداياتها إلى نهاية القرن السادس عشر الميلادي، حيث ظهرت مع بداية الإستعمار الغربي لآسيا وأوروبا والأمريكيتين، ثُمّ ارتبطت بتطور النظام التجاري الحديث في أوروبا، مما أدى إلى ظهور نظام عالمي مُعقد اتصف بالعالميّة ثُمّ أُطلق عليه أسم العولمة، وقد رأى الباحثون أن العولمة تقوم على أربع عمليات أساسيّة، وهي المنافسة الكبيرة بين القوى العالميّة العظمى، وانتشار عولمة الإنتاج وتبادل السلع، والابتكار والإبداع التكنولوجي، والتحديث المستمرّ.
وتنقسم العَوْلَمة إلى ثلاثة أقسام هي:
العَوْلَمة الإقتصاديّة :
يمكن تعريفها بأنّها سيادة نظام اقتصادي واحد، يشتمل على مختلف دول العالم في مجموعة علاقات اقتصاديّة متشابكة مع بعضها البعض، وتقوم هذه العلاقات على تبادل الخدمات، والمنتجات، والسلع، ورؤوس الأموال، ويعتمد البُعد الاقتصادي للعولمة على مبدأ حريّة التجارة بين الدول، ويظهر هذا المبدأ في تنقل الخدمات والسلع، ورؤوس الأموال بين الدول المختلفة دون وجود أي حواجز أو عوائق، وقد ظهر هذا المبدأ جلياً في الاتفاقيّة العامة للتعريفات والتجارة، فقد نصت أهدافها على تأسيس تجارة دوليّة حرة ترفع مستوى المعيشة في الدول المتعاقدة، وتؤدي إلى استغلال كلي للموارد الاقتصاديّة العالميّة، وتسعى إلى تطويرها، وتنمية وتوسعة الإنتاج والتبادل التجاري الدولي.
وتتمثّل العولمة الاقتصاديّة في أمور معينة تستطيع من خلالها الدول الاستعماريّة أن تسيطر على الدول الضعيفة، ومن هذه الأمور:
1- انتقال الأموال والقوى العاملة بحريّة كبيرة بين الأسواق، حيث يرى الباحثون أن العولمة تقوم على أساس المعايير الاقتصاديّة، وأنها تعني ازدياد العلاقات المتبادلة التي تتمثل في انتقال القوى العاملة ورؤوس الأموال، وتبادل السلع والخدمات بين دول العالم. 2- خضوع دول العالم القوي للسوق العالميّة الاحتكاريّة، الأمر الذي أدى إلى اختراق الحدود وانحسار سيادة الدولة، ويكون ذلك بمشاركة الشركات الضخمة ذات رؤوس الأموال الكبيرة التي تتمكن من التأثير على سيادة الدُّوَل، والسيطرة على اقتصادها وثرواتها.
3- الاندماج الحاصل في حقول التجارة والاستثمارات المباشرة لمختلف أسواق العالم، حيث ترغب العديد من الدول الكبرى بإنشاء أسواق عالميّة تشارك فيها الدول الضعيفة والقويّة لتبادل السلع والمنتجات فيما بينها؛ لتنشأ بينهم علاقة مصالح مشتركة، ثمّ تتحول هذه العلاقة تدريجياً إلى سيطرة وهيمنة.
4- سيطرة الشركات العالميّة ذات الجنسيات المتعددة على رؤوس الأموال الخاصة بالدول الضعيفة، ويكون ذلك عن طريق استثمار الدول القويّة مواردها في تلك الدول الضعيفة.
العَوْلَمة السياسيّة :
بينما العولمة السياسيّة تقوم في أساسها على الحريّة في مختلف صورها، كحريّة التفكير، وحريّة التعبير، وحريّة الاختيار، وحريّة الاعتقاد، وحريّة الانضمام إلى المنظمات السياسيّة، وحريّة تشكيل الأحزاب، وحريّة الانتخاب، وتتمثل المظاهر السياسيّة للعولمة في سقوط الأنظمة الديكتاتوريّة والاتجاه نحو الأنظمة الديمقراطيّة، كما وتؤكد على الحفاظ على حقوق الإنسان وصيانتها، وقد أدت العولمة السياسيّة إلى تطور العالم تطوراً ديمقراطياً ملحوظاً يظهر في جلياً في العديد من الدول وخاصة الدول النامية، حيث ازداد المشاركة السياسيّة التي عززت مصير الشعوب، وسقطت الحواجز التي تمنع تكوين الأحزاب السياسيّة، ولم يعد هناك شيء يعترض طريقها طالما أنها تعمل في خدمة الوطن والمواطن، ومن مظاهر العولمة السياسيّة أيضاً تركيز المنظمات الدوليّة غير الحكوميّة التي تهتم بالقضايا العالميّة، مثل: قضايا حقوق الإنسان، وقضايا تحقيق السلام، ويُعدّ ميثاق الأمم المتحدة الذي يحتوي في مبادئه على مبدأ التدخل للأغراض الإنسانيّة خير مثال على الاهتمام باحترام حقوق الإنسان وحريّاته.
العَوْلَمة الثقافيّة :
يرتبط مفهوم العولمة الثقافيّة ارتباطاً وثيقاً بفكرة التوحيد الثقافي العالمي، الذي استخدمته لجنة اليونسكو العالميّة العاملة على مؤتمر السياسات الثقافيّة في سبيل التنمية، حيث رأت اللجنة أنّ التوحيد الثقافي يستغلّ شبكة الاتصالات العالميّة والهيكل الاقتصادي والإنتاجي التابع لها والمتمثل في شبكات نقل المعلومات والسلع، وتتخذ العولمة الثقافيّة بعداً اقتصادياً وإعلامياً، وتعد عولمة الثقافة شكلاً من أشكال السيطرة والتبعيّة، كما تحمل في طياتها الكثير من المخاوف التي يُعبَّر عنها من خلال وسائل الإعلام المختلفة على أنّها ظاهرة يجب الاستعداد لها، لما تحمله الثقافة من أهميّة كبيرة في حياة الأفراد؛ فهي التي تميز الأجناس البشريّة عن بعضها البعض، وهي التي تؤكد الصفة الإنسانيّة للجنس البشري. ولمواجهة العولمة الثقافيّة لا بُدّ من القيام ببعض الأمور الأساسيّة، كاستخدام اللغة العربيّة السليمة والبسيطة في وسائل الإعلام والاتصال الجماهيري، كما يجب الابتعاد عن اللهجات المحليّة قدر الإمكان، ودعم القيم الدينيّة والروحيّة اعتماداً على دور الدين في التاريخ والتراث والحياة المعاصرة، وإيجاد توازن بين رسائل المؤسسات المرتبطة بمختلف الجوانب التعليميّة والثقافيّة، والرسائل الترفيهيّة بشرط عدم التعارض مع القيم التنمويّة، كما يجب تحليل الرسائل الإعلاميّة التي تُبَثّ من خلال وسائل الإعلام المختلفة، ونقدها، والتأكد من عدم احتوائها على قيم تخالف القيم الدينيّة والروحيّة العربيّة والإسلاميّة، أو قيم تخالف السياسات التنمويّة والجهود التي تهدف إلى حماية الخصوصيّة الثقافيّة.
سلبيات العولمة:
ظهرت للعولمة سلبيات عديدةٌ، وآثارٌ خطيرةٌ، واختلالاتٌ كبيرةٌ تعود على الفرد والمجتمع، ومن هذه السلبيات:
فتعتبرُ أداةً بيد القوى العالميّة للسيطرة الاقتصاديّة على العالم، فالقوي دائماً يملكُ من أسباب القوّة وعواملها ما لا يملكها غيره، وبالتّالي فهو قادرٌ على أن يبسطَ سيطرتَه على دول العالمِ الضّعيفة لعدم امتلاكها تلك الأدوات، فهو بقوّته الاقتصاديّة قادرٌ أكثر من غيره على المنافسة من خلال منتجاتٍ وسلع تتفوّق في نوعيّتها وكفاءتها، كما أنّ هذه القوّة العالميّة وبفضْلِ تفوّقها العسكري تكون قادرةً أكثر من غيرها من الدّول على إملاء ما تريدُ من القرارات، وسنّ ما تشاء من القوانين التي تخدمُ سياستَها الاقتصاديّة، وتمكّنها من فرض هيمنتها على العالم.
تؤدّي إلى فرض ثقافاتٍ غربيّة دخيلة على المجتمعات التي تفتخر بثقافتها وأعرافها المحافظة، فكثيرٌ من الدّول لم تعرف الأطعمة السّريعة أو أفلام العنف والحركة إلاّ حديثاً، وكنتيجة لمشاهدة ما يعرض على شاشات التّلفاز من مسلسلاتٍ وأفلام تروّج لتلك الأفكار الغربيّة التي كثيراً ما تدمّر الأخلاق أكثر ممّا تصلحها.
ظهور الاختلالات الاقتصادية والاجتماعية التي قامت بسبب اتحاد مجموعة من الأفراد مع بعضهم البعض؛ من أجل السيطرة على السوق الحر غير مبالين بما ينتج عن ذلك من الدمار الاجتماعي واستنزاف الثروات.
سحق الهوية والشخصية الوطنية واستبدالها بهوية جديدة بعد صهرها وتشكيلها؛ وهي الهوية العالمية.
سحق الموروثات الثقافية والحضارات المحلية والوطنية، وكلّ شيء متوارث من حضارة الآباء والأجداد، والعمل على إيجاد نوع من الاغتراب ما بين الفرد وتاريخه العريق وثقافته الأصيلة.
سحق جميع المنافع والمصالح الخاصة والوطنية إذا تعارضت مع مصالح ومنافع العولمة وتوسُّعها وانفتاحها على العالم.
استباحة القطاع الخاص والوطني، وجعلهِ في حالةٍ من الضعف وعدم التماسك؛ خاصةً إذا كان هذا القطاع الخاص ليس لديه القدرة على مواكبة التطور والتقدم والحداثةِ، وغير متماشي مع العولمة وأهدافها.
ممارسة السطوة والقوة والسيطرة على الأسواق المحلية الصغيرة من قِبل قوى عظمى،؛ من أجل التأثير عليها والعمل على إضعافها وسحقها وجعلها تابعةً لها.
فرض الوصاية الأجنبية على اعتبار أنّ الأجنبي أكثر تقدُّماً ونفوذاً وقوةً، وبالتالي إذلال المحلّي وفرض السيطرة عليه، وممارسة جميع أنواع القهر عليه، والعمل على سلب خيراتهِ وثمارهِ؛ من أجلِ إضعاف قوتهِ واستنزاف طاقاتهِ، حتى يضعف ويمتنع عن المقاومة، ويُعلن عن استسلامه لثورة العولمة، والاستجابة لجميع مطالبها.
إيجابيّات العولمة:
تختصرُ المسافات بين الدّول والشّعوب، كما أنّها تزيلُ جميع الحواجز النّفسيّة والمادّيّة، ومثال على ذلك الاتفاقيّات الدّوليّة التي تسمح بحريّة تبادل السّلع بين الدّول، والقوانين التي تتبنّاها منظمات كمنظمّة التّجارة العالميّة والتي تضع تشريعات تنظّم التّجارة العالميّة وتسهّل مرور السّلع بين الدّول.
تمكّن الدّول والشّركات من المنافسة في الأسواق بحريّة، ممّا يشجّع مناخ الإبداع والتطوير باستمرار، فكلّ واحدٍ في هذا العالم يريد أن يثبت وجوده ضمن مفهوم العولمة وهذا يؤدّي بلا شكّ إلى تحسين شكل السّلع والخدمات المقدّمة وبالتّالي نيل رضا المستهلك وتحقيق رغباته وتطلّعاته باستمرار.
تمكّن المجتمعات المتنوّعة في ثقافاتها وأعرافها وتجاربها من التّواصل فيما بينها، وتبادل الخبرات المختلفة، وهذا يعودُ بالفائدة بلا شكّ على الدّول والمجتمعات، بحيث تستفيدُ من تجاربَ وخبرات غيرها، ويتمّ تبادل العلوم والمعرفة دون حواجزٍ أو عقبات.