روايات عن الانتحار في الأدب العالمي
ففي الأدب أيضاً يثير حدث الانتحار الكثير من ردود الأفعال وأغلبها تتراوح بين الغضب و الحزن أو الصدمة. الغريب أن المنتحر في الأدب غالباً يلقى الكثير من التعاطف من جانب القارئ ربما لأنه -القارئ أقصد- ينظر إلى الصورة من كل جوانبها، يتفاعل ويتأثر بالأحداث ليجد نفسه في النهاية يتقبل الأمر بل ويتعاطف معه بشدة، على عكس الواقع الذي لا يُرى فيه سوى الفعل نفسه بغض النظر عن أسبابه ودوافعه.
اّنّا كارينينا
نُشرت رواية “اّنا كارنينا” للمرة الأولى مسلسلة عام 1877، وهي تعتبر خاتمة أعمال الكاتب الروسي “تولستوي” الكبرى. تُرجمت إلى الكثير من اللغات وأُعيد طبعاتها
مئات المرات على مرّ السنين. اقتُبست عنها الكثير من الأعمال السينمائية منها الفيلم المصري الشهير “نهر الحب” الذي قام بدور البطولة منه كل من “فاتن حمامة” و
“عمر الشريف” ومن أخراج “عز الدين ذو الفقار”.
كعادة أعمال “تولستوي” لا يؤمن الكاتب بتصنيف البشر بين الخير والشر كما كان المعتاد في الروايات، بل يؤمن تماماً بفكرة الصراع الداخلي الدائم بين عقل وقلب
الشخصيات في روايته وأن كل شخصية لها دائماً مصالح تسعى إلى تحقيقها والوصول إليها وتجد دائماً المبررات التي تعزز أفعالها، فالبشر في روايته بشر وليسوا ملائكة
أو شياطين.
الرواية باختصار تتناول قصة حياة الفتاة رائعة الجمال “اّنا كارينيا” التي تتزوج أحد رجال الدولة الذي يكبرها في السن كثيراً ولا تشعر معه لأي قيمة لحياتها حتى تصطدم
في أحد المناسبات بالكونت “أليكسي فرونسكي” الضابط بسلاح الفرسان وتعيش معه قصة حب حرمها الدين والأعراف الروسية وتعيش في داخلها صراعاً عنيفاً بين عقدة
الذنب تجاه زوجها وبين رغبتها في “فرونسكي” وغيرتها عليه عندما تظهر في أحد أجزاء الرواية فتاة ترتبط به، حتى تقرر أن تنهي حياتها في نهاية الرواية بالانتحار.
الرواية عمل إنساني ضخم لا تكفي بعض السطور لتلخيصه وأروع ما فيه هو الغوص في النفس البشرية بكل ما فيها من تناقضات. وقد صدرت أحدث ترجمة لهذه الرائعة عام 2018 عن منشورات الضفاف بالتعاون مع دار الأمان.
السيدة دالاوي
بالطبع إذا كنا نتحدث عن روايات تناولت الانتحار عبر أبطالها، لا يمكننا ألا نذكر رواية “السيدة دالاوي” للكاتبة الإنجليزية فرجينيا وولف التي أنهت حياتها بواسطة الانتحار غرقاً في نهر “أوس”.
تصف الرواية بإسهاب حياة يوم واحد في حياة “كلاريسا دالاوي” وهي شخصية خيالية لامرأة تنتمي للمجتمع الراقي في إنجلترا ما بعد الحرب العالمية، وهي واحدة من روايات وولف الأكثر شهرة.
في شهر أكتوبر 2005، اُدرجت الرواية في قائمة مجلة التايم لأفضل 100 رواية باللغة الإنجليزية منذ صدورها لأول مرة في عام 1923. كما تم تحويل الرواية إلى أفلام سينمائية لأكثر من مرة.
أكثر ما يميز الرواية هو أسلوب فرجينيا وولف الخاص في التنقل بين الشخوص والأحداث والقفزات الزمنية غير المعتادة. وقد صدرت طبعة مترجمة حديثة عن هذه الروايه من دار المدى ومن ترجمة “عطا عبد الوهاب”.
تتلخص القصة في تحضير السيدة “كلاريسا دالاوي” لحفل تقيمه في منزلها مساءً، يذكّرها هذا اليوم الجميل بشبابها الذي قضته في الريف في “بورتون” ويدفعها للتساؤل حول اختيارها لزوجها؛ فقد تزوّجت “ريتشارد دالاوي” الجدير بالثقة بدلاً من الغامض والمُتطلّب “بيتر والش”، و«لم يكن لديها خيار» أن تكون مع صديقتها المقرّبة، “سالي سيتون”. تراودها هذه الصراعات من جديد عقب زيارة بيتر لها ذلك الصباح..
يقضي سيبتيموس وايرن سميث، وهو من قدامى المحاربين في الحرب العالمية الأولى يومه في الحديقة مع زوجته، يعاني من إجهاد مؤلم ولا تفارقه ذكريات الحرب. خلال أحداث الرواية تنتابه الكثير من الهلاوس حتى تسمع “كلاريسا دالاوي” عن حدث انتحاره وتشعر بصواب اتخاذه هذا القرار لأنه بهذا حافظ على ما تبقى من روحه بحسب وجهة نظرها.
حذار من الشفقة
بشكل شخصي أعشق رواية “حذار من الشفقة” وأحب كل أعمال الكاتب النمساوي ستيفان زفايج. ربما لأن الرواية تمثل صراعاً بين قيمتين محمودتين في الحياة وهما
الحب والشفقة، وكيف يمكن أن تطغى أحداهما على الأخرى بشكل أو بآخر. وتُعد ترجمة الأستاذ “حلمي مراد” من أشهر وأفضل ما قُدم عن هذه الرائعة “حذار من الشفقة”.
تحكي الرواية قصة حب مستحيل بين جندي شاب فقير وابنة أحد أثرياء النمسا التي تعاني من مشكلة صحية تخفيها عنه إلى نهاية الرواية، تقابل قصة حبهما بغضب شديد
من المجتمع بسبب الأعراف والتقاليد حتى تنتهي نهاية مأساوية بانتحار البطلة.
ولد “زفايج” في فيينا عاصمة النمسا عام 1881، اشتهر في بداية حياته كشاعر ومترجم، ثم ذاع صيته في المرحلة التالية في حياته كمؤلف سير وتراجم حين كتب سيرة
كل من: “بلزاك”. و”ديكنز” والملكة الفرنسية “ماري أنطوانيت” زوجة ملك فرنسا “لويس السادس عشر”.
وفي المرحلة التالية من حياته كتب زفايج عدداً من القصص القصيرة قبل أن يذهل العالم بروايته الخالدة هذه في عام 1929 وقد عاش في “لندن” من عام 1934 حتى
عام 1940، واكتسب الجنسية البريطانية، ثم هاجر بعد ذلك إلى الولايات المتحدة الأمريكية” ومنها إلى “البرازيل” حيث مات منتحراً في عام 1942 عن (61 عاماً)،
وفي العام التالي 1943 نشرت سيرته الذاتية بقلمه بعنوان “عالم الأمس”.
فيرونيكا تقرر أن تموت
على عكس باقي روايات قائمتنا، تبدأ رواية “فيرونيكا تقرر أن تموت” للكاتب البرازيلي باولو كويلو من واقعة الانتحار! فالبطلة “فيرونيكا” فتاة في مقتبل العمر لديهما كل ما يتمناه أي شخص آخر، ولكنها تقرر الانتحار لأن حياتها فارغة تماماً، تدور دائماً في روتنين ممل ثابت.
فتقرر الانتحار بأن تبتلع كمية كافية من الأقراص المنومة، ولكنها تصدم عندما تفيق داخل مشفى للأمراض العقلية حيث يخبرها الأطباء بأنه تم إنقاذ حياتها من آثار العقار المنوم ولكنها للأسف أصيبت بمشكلة دائمة في قلبها وأن كل ما تبقى لها في الحياة هو أسبوع واحد فقط! خلال هذا الأسبوع تختبر “فيرونيكا” الكثير من المشاعر التي لم تمر بها طوال حياتها مما يجعلها تُقدر قيمة أن يكون الإنسان على قيد الحياة!
مثل أغلب أعمال “كويلو” تبحر الرواية بنا في أعماق النفس الإنسانية التي لا ترى دوماً الحقائق الواضحة لمجرد أنها واضحة!
استوحى “كويلو” أحداث هذه الرواية من تجربة شخصية مرّ بها أثناء تواجده في أحد المصحات العقلية، ونُشرت عام 1998. نقلتها إلى العربية “شركة المطبوعات للنشر والتوزيع”.
في النهاية، وجدت من الجميل أن أختم بأحد عبارات “كويلو” التي تصف الحياة فيقول:
“الحياة هي أن ترمي بنفسك من مظلة وأن تجازف، أن تسقط وتنهض من كبوتك، الحياة هي أن تتسلق الجبال لتحاكي الرغبة في تسلق قمة النفس، وإن لم تتوصل إلى ذلك، فعليك أن تعيش قانعاً ذليلاً.
كانت هذه مجموعة من الروايات الشهيرة، التي تناولت ظاهرة الانتحار في الأدب العالمي.