4 كتب أدبية تطيـر بك إلى عوالم ساحــرة

 في هذه القائمة نقدم لكم 4 كتب أدبية سوف تأخذك في رحلة إلى عوالم مختلفة، ولن نبالغ إذا قلنا أنها ستمنحك القدرة على التحليق وتجاوز واقعك الزماني والمكاني طيلة فترة القراءة.

رواية في انتظار البرابرة

الرواية تتحدث عن إمبراطورية تعاني من المشاكل السياسية والاجتماعية مع البرابرة على حدود تلك الإمبراطورية، وبطل الرواية هو قاضي إحدى المدن الحدودية التي تطل على  قفار وغابات البرابرة، حيث يجد نفسه متورطاً في أحداث كثيرة، سوف تذكرك وأنت تقرأ بصراعاتك النفسية مع الجزء النقي البربري البدائي بداخلك، ضد الجزء العقلاني المتحضر والقاسي.. إنها رواية وجودية تعيد صياغة المعركه النفسية لكل إنسان في إطار إمبراطورية واضحة المعالم.

تتصاعد الأحداث في الرواية، ويصبح القاضي سجيناً في سجون الإمبراطورية، ويتم تعذيبه لاتهامه بالتعاون مع البرابرة، وهنا يطرح الكاتب تساؤل هام : من هم البرابرة حقاً؟

الروايه مكتوبه بأسلوب فني يعتمد على التكثيف النفسي والحوار الداخلي والتأمل المستغرق لتفاصيل الأحداث، وهي بصمة مميزه لأعمال جون ماكسويل كويتزي .. في أحد مشاهد التعذيب، يكتب كويتزي معلقاً على لسان القاضي الذي يتم تعذيبه في سجون الإمبراطورية واصفاً ما يحدث بقوله:

“يأتي كل يوم ضابط التعذيب، يطوي شرفي وكرامتي جانباً، ويعرض روحي إلى النور”

في الفصلين الاخيرين من الرواية تبدأ عملية الحساب ومراجعة ونقد (الذات / الامبراطورية) ونقرأ ما يشبه اعادة تقييم الامور في سرد الكاتب :

“الاطفال لا تساورهم الشكوك مطلقاً في أن الاشجار الكبيرة العتيقة التي في ظلالها يلعبون ستبقى واقفة إلى الأبد، وأنهم سيكبرون يوماً ويصبحون أقوياء مثل آبائهم، مثمرات كأمهاتهم، وسيعيشون ويغتنون ويربون أطفالهم، ويتقدمون في السن في البقعة عينها التي ولدوا فيها، ما الذي جعل الامر غير ممكن بالنسبة لنا أن نعيش زمننا مثل أسماك في الماء، مثل طيور في الهواء، مثل أطفال؟ إنه خطأ الإمبراطورية! إمبراطورية قد خرقت مجريات التاريخ.

إمبراطورية حددت وجودها ليس في زمن ناعم يلتف مع دورة المواسم ولكن في زمن مرتج من صعود وانهيار، من بداية ونهاية، من كوارث. إمبراطورية تحكم على نفسها أن تعيش في التاريخ وتتآمر ضد التاريخ. فكرة واحدة فقط تشغل العقل الخفي للإمبراطورية، كيف لا تنتهي، كيف لا تموت، كيف تطيل عمرها .

إنها في النهار تلاحق أعداءها، إنها مراوغة وقاسية، ترسل كلاب صيدها إلى كل مكان، وهي في الليل تغذي نفسها على تخيلات لكوارث : نهب المدن، اغتصاب السكان، أهرامات من عظام، فدادين من خراب.”


 كتاب اللاطمأنينة

“لأجل ماذا تتطلع إلى المدينة البعيدة؟ روحك هي المدينة البعيدة” – فرناندو بيسوا

في كتابه اللاطمأنينة يرحل بنا الشاعر البرتغالي فرناندوا بيسوا إلى أعلى قمم روحه، هناك حيث الوحدة والخصوصية، حيث الارتباط الإنساني الحقيقي، كتاب مفعم بالصدق والكشف، سوف يجعلك تشعر بعد الانتهاء من قراءته أنك طفل في الصيف.

“أن تفكّر هو أن تهدم. الفكرة بذاتها تتهدم خلال عملية التفكير، إذ أن تفكر هو أن تفكك. لو عرف البشر كيف يتأملون لغز الحياة، لو تعلموا كيف يشعرون بالتعقيدات الألف التي تتجسس على الروح في كل تفصيل ضئيل من كل فعل، لما ارتكبوا آنئذ أي فعل ـ ولما عاشوا أيضاً. سيقتلون أنفسهم من الرعب، كمثل الذين ينتحرون كي يتجنّبوا الإعدام في اليوم التالي”.

يناقش بيسوا في الكتاب دقائق الحياة الإنسانية النفسية، هل تشعر بالراحه وأنت تتحدث مع سائق التاكسي؟ كيف يحتمل عمال المطاعم المنهكون في روتينهم حياتهم اليومية؟ ألا يصيبهم الملل والإحباط بالجنون؟ يتأمل بيسوا امور الحياة واسئلتها التي نتشاركها جميعاً في كتابه، حيث يشرح حالة (اللاطمأنينة) بدقه كبيرة ليكشف عن متسويات اعمق للروح الانسانية.

“لقد حلمت بأكثر مما حلم به نابليون نفسه، ضممت إلى صدرى المفترض إنسانيات، أكثر مما ضم المسيح، شيدت فى السر فلسفات أكثر من كل ما كتبه كانط .. لكن كنت وسأكون دائماً مجرد ساكن غرفة في سطح”.


بالأبيض على الاسود – روبين ديفيد غونساليس غاليغو

بالأبيض على الاسود ليست روايه بالضبط، بل هي أقرب للمجموعه القصصية ..

تروي سيرة حياة رجل قضى جل عمره نزيلاً في دور الرعاية للمعاقين، وهو مؤلف هذا الكتاب روبين دايفيد غونساليس غاليغو، حيث يصف معاناته ومعاناة الذين يعيشون حياتهم وراء جدران كئيبة، مسجونين، لا تهمة لهم إلا أنهم معاقين، ولكن بالرغم من تلك الحياه القاسية والمخيفة، تكمن لحظات من الأمل والنور والحب .. لحظات إلهية تجعل من الحياة حتى في أقسى البيئات وأبعدها عن الجمال، أمراً ممكناً.


المياه كلها بلون الغرق

“ليس من اللائق الافراط فى سوء الحظ، إذ أن ثمّة افراد ؛ شأنهم فى ذلك شأن بعض الشعوب، يطيب لهم الإغراق فى النحس إلى حد إلحاق العار بالتراجيديا !”

إميل سيوران واحد من أهم الشعراء الرومانيين والعالميين أيضاً، في كتابه الرائع (المياه كلها بلون الغرق) يقدم لنا سيوران بلغه شعرية رقيقة نظرة ناقدة ومتفحصة إلى العالم، بعض مقاطع الكتاب ستجعلك تتوقف كثيراً وتتساءل، وستشعر وأنت تقرأ أن الكاتب يتحدث بلسانك.

الكتاب ايضاً لا يخلو من كوميديا حزينة، فهو حين يتحدث عن الحب يقول:

“فن الحب أن تعرف كيف تجمع مابين طبيعة مصاص دماء وخفّة فراشة”

و لكنه يبدو جاداً اكثر – أو أقل لا أعرف في الحقيقة – حين يقول :

“إن حباً يخيب، هو محنة فلسفية تملك من الثراء ما يتيح لها أن تخلق من حلّاق نظيراً لسقراط” .


هذه المجموعة من الكتب تمتاز بقدرتها على الغوص في الذات الإنسانية، والوصول إلى الرابط الحقيقي المشترك بين بني الإنسان، الحب والخوف والأمل والصراع اليومي، وإمكانية ايجاد واحات خضراء في الروح الإنسانية مهما كانت الظروف، مساحة للفرار من سجن الذات والتحليق بحريه إلى أعلى منابع الروح.