سندريلا المصرية

"سندريلا سيكريت"

الحقيقة أن الحديث عن كتب التنمية البشرية يقودنا دائماً إلى نتيجة واحدة هي “أن الحديث جميل وسهل، لكن الفعل بحاجة إلى معجزة”، حيث أن أغلب الكتب التي تندرج تحت قائمة التنمية البشرية تدور في نفس الحلقة الخاصة بالإيمان بالذات والرغبة في التغيير والسعي خلف الأحلام وتقدير النفس، وكلام من هذا النوع الذي يبدو كشعارات رنانة، الأمر بالنسبة لي يبدو مضحكاً ويذكرني بمشهد شهير من فيلم كوميدي وأحد الشخصيات ينصح البطل بفعل الصواب، فيرد البطل قائلاً: “أيوة، يعني أعمل إيه؟”.

لست من هواة قراءة هذا النوع من الكتب، لكن كتاب (سندريلا سيكرت) جذبني أولاً بسبب عنوانه، وثانياً بسبب أنه كان من أفضل الكتب مبيعاً لعام 2018 مسجلاً عدداً ضخماً من الطبعات، غلاف الكتاب جميل أيضاً لكن فيما عدا ذلك يحوي الكتاب عدداً من العيوب الكافية لوضعه ضمن قائمة أسوأ الكتب التي قرأتها على الإطلاق، في السطور التالية سأحاول أن أوضح بعض هذه العيوب بحيادية تامة.

استخدام اللهجة العامية المصرية

الكتاب كله منذ أول صفحاته حتى المقدمة الخاصة بالناشر والإهداء مكتوب باللهجة العامية المصرية التى تجعل عملية القراءة مزعجة لأقصى درجة حتى بالنسبة للقارئ المصري، من الصعب قراءة ما يقارب 300 صفحة باللهجة العامية التي لا تنحصر فقط بالحوار مثلاً بل تبتلع الكتاب كاملاً تقريباً.

الكثير من الاستظراف

تمصير (تحويل إلى مصري) قصة سندريلا كان سخيفاً وأعطى للكتاب بُعداً محلياً مكروهاً جداً بالنسبة لكتب التنمية البشرية، يُفترض أننا في الأساس نخاطب جميع البشر وليس أهل مكان معين، أيضاً فكرة الساحرة المتقاعدة أو (الفيري) كما أصرت الكاتبة على تسميتها التي تركت قدراتها السحرية وتفرغت لمراقبة أحوال البشر وأنماطهم وبدأت تتعامل مع مشكلة (سندريلا) المصرية الحديثة بطريقة ساخرة وسطحية تستفز القارئ في الكثير من صفحات الكتاب.

افتراض غباء المتلقي

طوال صفحات الكتاب تشرح الكاتبة أموراً بسيطةً جداً وفي غاية الوضوح وتبالغ في الإطالة وإعادة شرح فكرتها مرات بعد مرات، وكأنها على يقين تام بأن من يقرأ الكتاب لا بد وأن يكون شديد الجهل والغباء، وبنظري يعد هذا أحد أبرز عيوب الكتاب.

ظلم واضح لشخصية (سندريلا) وتخريب شديد في القصة

برأيي المتواضع تعد تلك النقطة أكبر عيب في الكتاب على الرغم من أنها أساس الكتاب بالنسبة للكاتبة، ففي الصفحات الأولى من الكتاب يدور حوار أراه سخيفاً وغير منطقي بين الكاتبة وطفلتها حول قصة سندريلا وعن كيفية سقوط الحذاء منها، وهو المفروض مصنوع لأجلها وعن كيفية ارتدائها له وهو من الزجاج وعن الساحرة الطيبة التي يجب أن تساعد التعساء.

الفكرة هنا أن الكتاب يفترض بالفعل تصديق القارئ لحكاية سندريلا وانتظار الفتيات للأمير والساحرة اللذان سينتشلانها من واقعها المزري وهو الأمر الذي يبدو مضحكاً جداً، فأي طفلة لا تتجاوز السبع سنوات تدرك تماماً أن القصة خيال بحت وأن المقصود بها أن الخير يجب أن ينتصر بشكل ما في النهاية.

الكتاب يظهر شخصية سندريلا المصرية في غاية الغباء والسطحية الأمر الذي أراه إهانة حقيقية للفتيات المصريات، الشخصية تسأل أسئلة بلهاء طوال الوقت وتطلب من الساحرة أن تجعلها سعيدة لأنها أصبحت تشعر بالملل بعد زواجها من الأمير الذي فقد اهتمامه بها بعد الزواج، هي تأكل وتشرب وتخرج وترتدي أفخر الثياب لكنها فقدت اهتمامها بنفسها لأن الأمير فقد اهتمامه بها! أيعقل أن مشاكل الفتيات في مصر متجسدة بهذا فحسب؟

كما تحكي الشخصية في جزء من الكتاب عن أنها تركت الحذاء متعمدةً حتى يتمكن الأمير من العثور عليها بعد ذلك، فتظهر كشخصية تافهة استغلالية لا تملك أي خلفية معرفية أو ثقافية.

بالمقابل، تُظهر القصة الأصلية سندريلا على جانب كبير من العلم والثقافة فهي تجيد اللغات وعلى وعي كامل ببيئتها المحيطة، كما تُظهرها شخصية متسامحة نقية القلب طيبة المعشر وفي نفس الوقت على قدر من الذكاء يجعلها تجيد التعامل مع الناس ويجعل زوجة أبيها تخشاها لذكائها قبل جمالها لذلك استحقت المساعدة ولو على هيئة جنية من عالم الخيال.

الفكرة هنا أن الغرض من القصة الأصلية التي نسجت في الأساس للأطفال كانت قائمة على مبدأ الصراع بين الخير والشر، وأن الإنسان الطيب سيجد المساعدة مهما كثرت العقبات المحيطة به وسيحقق أحلامه لأنه يستحق ذلك وأن العصا السحرية هي فقط وسيلة مساعدة قد تتبدل لأي أداة أخرى واقعية مثل صديق مخلص أو خلافة.

نقطة أخيرة

لأكون حيادية سأذكر أن الكتاب كالمعتاد يدعو القارئ إلى الإعتدال في الإهتمامات ليصل في حياته إلى بر الأمان فلا يفرط مثلاً بالاهتمام بدراسته فيفقد أصدقاءه ولا تغلق المرأة حياتها على زوجها وبيتها فتشعر بحياتها فارغة في حال انشغال زوجها عنها.

يطلب الكتاب من القارئ أن يعادل بين كل شيء فلا يغفل دينه وعبادته أثناء سعيه خلف نجاحه المهني، كما يدعو الفتاة لتشعر من داخلها بأنها حرة وقادرة على تحمل المسؤولية والإهتمام بنفسها، وهكذا نصائح من هذا النوع التي لو وضعت في أي سياق آخر بعيد عن العبث بقصة سندريلا ربما كانت لتجعل الكتاب أفضل.

_____________

بقلم/ ياسمين أحمد

 


سندريلا سيكريت، هبة السواح