كيف يمكن للملل أن يشكل حافزاً إبداعياً لك؟

يمكن النظر للملل على أن له نوعان الأول ظرفي مرتبط بالظرف أو المناسبة كالانتظار في موقف الباص، والنوع الثاني تكراري مرتبط بحدث روتيني متكرر في حياتنا ما أدى للملل، حتى وإن كان ممتعاً في البداية. يمكن للملل أن ينشأ من عدم المشاركة في حدث بسبب تعب أو قلق. من المهم هنا النظر للأمر كما هو عليه بمسبباته لمداراته ومعالجة ما يسبب لنا هذا التعب فنعود للمشاركة الفعالة.

وأحياناً نشعر بالملل لأننا طورنا حاجتنا للإشباع السريع وهو جزء من عقلية اتبعناها كبشر مؤخراً كطريقة لمعالجة الملل، فمثلاً نلجأ لتصفح مواقع التواصل وإلقاء نظرات سريعة على الأخبار والصور في محاولات غير مجدية لتلهينا عن شعورنا بالملل. لذلك علينا هنا أن نتقبل أننا نشعر بالملل وبدل إمساك الهاتف يمكن أن نبحث عن نشاط يستحق العمل عليه.


ما هو الغرض من الملل؟على الرغم من أن الملل غالباً ما ينظر له بصورة سلبية، إلا إن رؤيته كوقت إضافي مستقطع خارج وقت العمل والدراسة يمكن له أن يكون مفيداً حقاً، حيث يفتح الباب أمام مجال واسع من مختلف الأفكار والنشاطات أو للتأمل والتفكير ومراجعة قرارات سابقة.أول خطوة تكمن في تقبل الملل متى ما شعرنا به، ثم ابدأ بالتفكير بكل النشاطات المؤجلة والأمور الهامة الموضوعة قيد الانتظار أو قمبممارسة هواية ما. عندما يخبرنا أطفالنا أنهم يشعرون بالملل ينتابنا شعور بالخيبة تجاه أنفسنا كأهل، إلا أن علينا أن ننظر للأمر على أنه منبه يخبرنا أن أطفالنا بحاجة شيء جديد ويمكن استغلال ذلك دوماً بنشاطات تعليمية مثلاً. من دون الشعور بالملل قد لا يطور أطفالنا مخيلتهم ولا يبحثون عن الابتكار أو يطورون التحفيز الذاتي لديهم. كذلك هو منبه ومؤشر لنا أننا بحاجة للقيام بشيء ما جديد في حياتنا الأمر الذي سيقودنا لآلاف الأفكار الإبداعية والنشاطات المفيدة.
الملل الإبداعيفي الواقع إن الشعور بالملل مرحلة مهمة وضرورية من التطور الفكري. حيث عمد ألبرت آينشتاين للعمل في وظيفة رتيبة مملة وهي عمل مكتبي ليسمح لعقله بالوقت والمجال ليخرج بأفكار كبيرة، وقد أطلق آينشتاين على هذه المرحلة بالملل الإبداعي حيث يترك عقله خاملاً مستريحاً ليطلق العنان لنفسه لاحقاً بإشباع فضوله الذي لا ينتهي.
في دراسة أجريت على مجموعة من الأشخاص كان قد طُلب منهم القيام بمهمات مملة كتدوين أرقام الهواتف من سجل للأرقام، ثم طلبوا منهم لاحقاً إجراء اختبار التفكير الإبداعي وتمت مقارنة نتائجهم مع أشخاص لم يختبروا شعور الملل سابقاً لتأتي النتائج بأفكار متعددة وأكثر تفرداً للمجموعة التي شعرت بالملل.
قد يثير الملل الإبداع لأن العقل النشط يتوق للتحفيز. يقول ساندي مان Sandi Mann عالم النفس في جامعة سنتر لانكشاير University
of Central Lancashire والذي أشرف على الدراسة: “إن العقل الذي يغلبه شعور الملل ينتقل إلى حالة أحلام اليقظة”. الأطفال الذين يقول عنهم أهلم إنهم يشعرون بالملل سيخترعون لعبة ما من ورق مقوى أو مصباح أو أي شيء، وكما تحدث الفلاسفة سابقاً عن الأم فالملل كان مقدمة للخلق.
في المرة القادمة التي ستجد نفسك فيها تنتظر في طابور طويل أو في غرفة الانتظار أو في اجتماع ممل، لا تسعى لشغل نفسك بالهاتف بل
تقبل كل ذلك الملل ودعه يأتي عليك بالأفكار الجيدة والغريبة، فقد يحسن من عملك أو حياتك.