شاعر الجندولإنَّ لقب شاعر الجندول هو لقب أطلِقَ على الشاعر المصريّ علي محمود طه الذي وُلِدَ عام 1901م في المنصورة في مصر، ودرس هندسة المباني في القاهرة وتخرّج عام 1923م ثمَّ أصبح بعد ذلكَ وكيلًا لدار الكتب مما أتاح له الفرصة ليكون على اتصال دائم مع الشعر والأدب والكتابة والاطلاع على تجارب الشعراء، ولم يعشْ شاعر الجندول طويلًا حيث توفي عام 1949م وهو ابن 48 عامًا فقط، تاركًا وراَءهُ عددًا من الدواوين الشعرية التي اهتمَّ بها بعض الدارسين فيما بعد، وهذا المقال مخصص للحديث عن علي محمود طه من حيث أسلوبهِ الشعريِّ وعرضِ أهم قصائده.
الأسلوب الشعري عند علي محمود طهكان علي محمود طه شاعرًا مجيدًا، وقد استطاع أنْ يستفيد من عملهِ كوكيلٍ لدار الكتب -كما وردَ سابقًا- لينمِّيَ موهبتَهُ وليصقلَ تجربتَهُ مع الأدب، ولعلَّ أكثر ما أثر في نفسيتِهِ هو زياراته المتكررة لأوروبا اتي بدأت عام 1934م فوقعتْ عينه على جمال الطبيعة والحضارة الأوروبية التي أثَّرتْ به تأثيرًا كبيرًا وجعلتَهُ يسعى للاطلاع على تجارب الشعراء الأوروبيين حتّى أصبح ذا شأن عظيم بين شعراء مصر آنذاك، وخاصّة بعد أنْ أصدر ديوانَهُ الأول الذي أسماه "الملاح التائه"، وفي هذه المجموعة الشعرية تحديدًا ظهرَ تأثُّر علي محمود طه بالشعراء الرومنسيين الأجانب واضحًا خاصّة الشاعر الفرنسي لامارتين. ومن الجديرِ بالذكر عند الحديث عن الأسلوب الشعري عند الشاعر علي محمود طه أنّه كانَ من الأعلام في مدرسة أبولو التي رسّخت قواعد الرومنسية وأصولها في الشعر العربي المعاصر، وقد قال عنه أحمد حسن الزيات ذات مرّة: "كان شابًّا منضور الطلعة، مسجور العاطفة، مسحور المُخيِّلة، لا يبصر غير الجمال، ولا ينشد غير الحب، ولا يحسب الوجود إلا قصيدة من الغزل السماوي ينشدها الدهر ويرقص عليها الفلك"، فكان شاعرًا عاشقًا للجمال، يتحسَّسُ مواضِعَهُ ويتلمَّسُها بشاعريتهِ، وقد قال في شعره عدد من النقاد وأهمهم الدكتور سمير سرحان والدكتور محمد عناني اللذان قالا: "المفتاح لشعر هذا الشاعر -والمقصود علي محمود طه- هو فكرة الفردية الرومانسية والحرية التي لا تتأتى بطبيعة الحال إلا بتوافر الموارد المادية التي تحرر الفرد من الحاجة ولا تشعره بضغوطها، بحيث لم يستطع أن يرى سوى الجمال وأن يخصِّصَ قراءاته في الآداب الأوروبية للمشكلات الشعرية التي شغلت الرومانسية عن الإنسان والوجود والفن ..