النساء ملهمات في كل شيء.. فسيولوجيًا تُسمى أنثى الإنسان، وفي البيت هي الأم أو الأخت أو الزوجة، وفي المجتمع هي نصفه وعموده القوي، الذي يَرمي حجر الأساس للأجيال المتعاقبة، أمّا في لغتنا العتيقة فهي الأنثى البالغة، مهما اختلفت المسميات، فالمقصد يشير إليها هي فحسب إنها المرأة.
لم يبخل التاريخ على المرأة بالذِكر، فقد احتفظ بأفضالها وأمجادها وحكمتها، بل وسطر في صفحاته كل من استطعن إحداث تغيير واضح في العالم.
5 كتب تتناول قصص نساء ملهمات
وفيما يلى نستعرض بشكل سريع فى السطور القادمة مجموعة كتب تتناول سير ذاتية لحياة مجموعة من النساء الملهمات والأكثر تأثيرًا في التاريخ، سواء فيما يتعلق بوضع المرأة الدينى أو الثقافي أو مشاركتها فى الحياة السياسية والعلمية.. إليك بعض النماذج عنهن:
حتشبسوت – الملكة الفرعون
نبدأ مع كتاب “Hatschepsut: La Reine Pharaon” والمترجم للعربية تحت عنوان “حتشبسوت: الملكة الفرعون”، وهو من تأليف الفرنسية “Suzanne Ratié – سوزان راتييه”، ونقلته للعربية “فاطمة عبدالله محمود”، ليتم نشره ضمن مطبوعات الهيئة المصرية العامة للكتاب.
ويتناول الكتاب تفاصيل عن حياة الملكة الفرعونية الملهمة “حتشبسوت”، وهي إحدى سلالات الأسرة الفرعونية الثامنة عشرة، ابنة الملك “تحتمس الأول” وأخت وزوجة الملك “تحتمس الثاني”، وبعدما توفي زوجها تولى “تحتمس الثالث” العرش، وكانت واصية عليه، إلا أنه لأسباب غير واضحة إنفردت بالحكم، وكانت خير قائد للبلاد.
وأصبحت “حتشبسوت” رائدة وملهمة عظيمة، وأيقونة من أيقونات مصر الفرعونية، لقوتها وبأسها الذي جعلها تترك أنوثتها جانبًا، وارتدت زي الرجال مُعلنة عن عصرها المزدهر، الذي صُنف بأنه واحدٌ من أزهى العصور التي دونتها مصر في تاريخها العريق، وتؤكد العديد من المصادر على أنَّ “حتشبسوت” كانت أفضل امرأة حكمت مصر، وقد تكون أفضل من حكم مصر من الفراعنة على الإطلاق. كانت حتشبسوت ومازالت وستبقى أيقونة وقدوة للنساء على مرّ التاريخ، لِما أحدثته من تغيير واضح جعلها واحدة من أبرز النساء الرائدات والمؤثرات في التاريخ.
هيباتيا والحب الذي كان
ولعل كتاب “Hypatia’s Lover – هيباتيا والحب الذي كان”، هو واحد من الكتب المهمة التي تتحدث عن نموذج نسائي عظيم، فتستلهم فى قالب قصصي تفاصيل الأيام الأخيرة من حياة فيلسوفة الإسكندرية الملهمةة “هيباتيا”، وهو من تأليف “D.R. Khashaba – داوود روفائيل خشبة”، وله طبعة باللغة العربية من ترجمة “سحر توفيق”، وإصدار المركز القومى المصري للترجمة.
تُعد “هيباتيا” فيلسوفة يونانية الأصل، ورائدة لها دور عظيم في نشر العلم ومحاربة الجهل، عاشت في الإسكندرية، وتلقت تعليمها على أيدي العديد من الفلاسفة والعلماء المخضرمين حتى اصبحت من النساء الملهمات على مدار التاريخ.
برعت “هيباتيا” في الكثير من العلوم منها الفلسفة والرياضيات والفلك، وكانت محط إعجاب من أهل الإسكندرية جميعًا ومثال للقدوة الحسنة، وكانت ملاذ كل من يتعطش للعلم، فتنير له دروب العلوم من خلال منارة عقلها الحكيم.
أُعجب بها كل من عرفها، وأثرت في تلاميذها والناس من حولها، وكانت تمتلك مذهبًا فكريًا مختلفًا، جعلها إحدى أيقونات العلم في زمانها ومن النساء الملهمات، إلا أنها توفيت بأبشع الطرق؛ بسبب مذاهبها الوثنية في الوقت الذي كانت فيه القبطية مازالت تحبو في مصر القديمة، فقام القساوسة بالهجوم عليها، وتعذيبها بأبشع الطرق للتخلص من تأثيرها على الناس وقتها بشكلٍ عدائي، واغتيلت بطريقة وحشية عام 415 ميلادية.
ذهبت “هيباتيا”، ضحية الجهل والعلم، لكنها في الحقيقة لم تمت إلا جسديًا، لكن أثرها وبشاعة ما حدث لها جعل اسمها يُكتب في صفحات التاريخ، وربما لو لم تتعرض “هيباتيا” لهذه الموتة البشعة لما وصلنا عنها خبر.
حياة ماري كوري
ننتقل لنموذج نسائي ملهم أخر لا يقل عظمة عن سابقته، حيث وثق كتاب “Marie Curie: A Life – حياة ماري كوري” لمؤلفته “Susan Quinn – سوزان كوين” تفاصيل حياة عالمة الفيزياء والكيمياء البولندية الأصل، التي حصلت على جائزة نوبل مرتين، مرة في الفيزياء ومرة أخرى في الكيمياء، وهي المرأة الوحيدة التي حصلت على جائزتين لنوبل في تخصصين مختلفين، بل وهي الوحيدة على الإطلاق من حصل على جائزتين لنوبل.
وقبل مسيرتها العلمية عانت “ماري كوري” من الفقر، وبدأت بادرات الأمل تتفتح لها عندما حصلت على منحة في فرنسا ،واستكملت دراساتها واستقرت بفرنسا، وقامت بأبحاث في مجال الإشعاع، ووضعت نظرية النشاط الإشعاعي، واكتشفت عناصر كيميائية كالبولونيوم والراديوم، وشاركت باكتشافاتها الإشعاعية في علاج الأورام، وأنشأت العديد من المخابرات الخاصة بالبحث العلمي؛ لتصبح من النساء الملهمات في مجال البحث العلمي.
وفي عام 1934 م، ودَّع العالم أفضل عقلية بشرية من النساء الرائدات اللاتي عملن في علمي الفيزياء والكيمياء، وأثمرت عن نتائج قدمت خدمات عظيمة للبشرية، ودُفنت في مقبرة العظماء في فرنسا، بعد أن تعرضت لجرعات كبيرة من الإشعاع الذي أودى بحياتها، دون أن تدري بمخاطر المواد المشعة، مُنصبة تفكيرها في العلم وخدمة البشرية، فاستحقت عن جدارة أن تكون أيقونة من أيقونات التفاني من أجل العلم في العالم. ذهب جسدها ورحلت روحها، إلا أنَّ إنجازاتها مازالت قائمة حتى يومنا هذا.
قصة حياة أنديرا نهرو غاندي
ومن تأليف “Katherine Frank – كاثرين فرانك” جاء كتاب “Indira: The Life of Indira Nehru Gandhi” والصادر في نسخته العربية عن دار كلمات عربية للنشر والتوزيع بعنوان “أنديرا: قصة حياة إنديرا نهرو غاندي“.
يروي الكتاب قصة حياة واحدة من أكثر الشخصيات النسائية الرائدة والمؤثرة في الهند خاصةً بل واستطاعت – عن جدارة – أن تحفر اسمها في صفحات التاريخ، إنها “أنديرا غاندي“، رئيسة وزراء الهند، السياسية المُثيرة للجدل، والتي اشتهرت برجاحة عقلها وحياديتها وذكائها الحاد الذي قاد الهند نحو التقدم بعد ما أحدثه الاحتلال من خراب في البلاد.
سعت “أنديرا” في نشر السلام حول العالم حتى اصبحت من النساء الملهمات، وكانت خير معين للبلدان الفقيرة، وتولت عدة مناصب أهمها رئاسة وزراء الهند، وكانت أول امرأة تتولى هذا المنصب، والذي من خلاله استطاعت أن تقدم لبلادها عقلها الراجح على طبق من ذهب، فكانت خير قائد للبلاد، وكانت تناصر الدول التي تعاني الظلم والاستعمار مثل فلسطين، واُغتيلت في عام 1984، ولكن التاريخ لم ينسها أبدًا.
قصة حياتي العجيبة – هيلين كيلر
ولا ننسى أن نذكر كتاب “The Story of My Life” كسيرة ذاتية كتبتها “Helen Keller – هيلين كيلر” بنفسها؛ لتوثق مسيرتها ورحلاتها المثيرة كرائدة هامة من النساء، والصادر بالعربية من ترجمة “محمد وهدان” وتحت عنوان “قصة حياتي العجيبة”؛ ليقدم لنا قصة ملهمة في تحدي المستحيل لسيدة عظيمة.
فيذكر أن “هيلين كيلر” أدبية أمريكية، فقدت السمع والبصر منذ نعومة أظافرها، ولم يستطع أحد أن يساعدها في التعلم سوى مربيتها ساليفان، واستطاعت الفتاة إكمال تعليمها الثانوي، بل وحصلت على درجة البكالوريوس بالرغم من المصاعب التي فرضها عليها فقدانها لحواسها، إلا أنها استطاعت أن تضع اسمها بين أكثر النساء الملهمات تأثيرًا في التاريخ، بقوة عزيمتها، وأعمالها الخيرية والأدبية، حتى غدت رمز للمرأة القوية التي لا تقهرها الظروف العصيبة، واليوم تُدَّرس قصة هيلين كيلر، الأدبية والناشطة القوية في صفحات الكتب للأجيال المتعاقبة، حاملة رسالة في طياتها تُخبربنا بأن: “الإرادة القوية لا تقهر أبدًا”.
وأخيرًا.. لم يختلف البشر بمرور الزمان علی دور المرأة في المجتمع، بالرغم من تعرضها للظلم من بعض المجتمعات، ومازالت تعاني الاضطهاد في بعض الثقافات، إلا أنها لاقت التقدير والاحترام في كثير من المجتمعات الراقية، وكيف لا، وهي أساس بناء المجتمع السوي، ولا يقتصر دورها كأم، بل إنها حكمت وقادت ونشرت العلم وأثرت حتى أصبح التاريخ حافلًا بالكثير من النساء الملهمات، ومازالت صفحاته منتظرة سطور جديدة عن نساء ملهمات أخريات، هل ستكونين منهم؟ ربما!