فرجينيا وولف أثرت الأدب الإنجليزي وقادت الحركة النسوية وجيوبها ممتلئة بالحجارة

فرجينيا وولف السيدة التعيسة التي صنعت أدبًا رائع الجمال

إذا كنت قد شاهدت فيلم The Hours أو الساعات الذي صدر في عام 2002، والذي أدت فيه نيكول كيدمان شخصية فرجينيا وولف، ستكون على علم بالصدمات المتكررة التي تعرضت لها فرجينيا على مدار حياتها، والتي جعلتها إنسانة هشة، وقابلة للانهيار في أي لحظة.

ربما كانت هشاشتها تلك سببًا في إبداعها الأدبي الذي كان سابقًا لعصره من حيث الأسلوب، بخلاف براعتها في الوصف والتحليل، والقدرة على النفاذ لأعماق نفوس

شخصياتها، لذا كان من السهل على القارئ أن يتخيل كل شيءٍ كما وصفته بالضبط وكأنّه يراه مرسومًا على الورق.


لم تغفل فرجينيا أيضًا تصوير أدق الانفعالات والعواطف المختزنة داخل شخصيات رواياتها، بلغتها العذبة التي تنفذ إلى الروح مباشرة. كانت تتأمل في كل شيء، وكانت لها

فلسفة خاصة بها في كل شيء. كانت مختلفة وحساسة إلى أقصى درجة، لذا قرّرت أن تفارق الحياة، وأغرقت نفسها، بجيوبٍ مليئة بالحجارة في نهر Ouse عام 1941،

وكان عمرها 59 عامًا.


يُحسب لفرجينيا وولف أنّها طوّرت من الأدب الإنجليزي، حيث تعتبر هي صاحبة الأسلوب الأدبي “تيار الوعي” أو “سيل الوعي”، والذي كان مستحدثًا وقتها، ومعها

الروائيان جيمس جويس، وهنري جيمس، وذلك في العشرينيات من القرن الماضي.


والذي يقوم فيه الكاتب بسرد أحداث قصته من خلال تداعيات الأفكار لدى أبطال الرواية، مازجًا الماضي بالحاضر في كثيرٍ من الأحيان. ولتقريب المثال، فإن أشهر رواية

عربية استخدمت هذا الأسلوب، كانت رواية اللص والكلاب لنجيب محفوظ، والتي كنا نسمع فيها صوت البطل الداخلي بما يُراوده من أفكار، ويكون ذلك متماشيًا مع سير

الأحداث الطبيعي. ويظهر ذلك بوضوح في رواياتها مثل “السيدة دالاوي“، و”إلى الفنار”.


وفي نهاية التعريف بفرجينيا وولف، لا يُِمكننا أن نغفل أيضًا عن كونها واحدة من أهم مؤسسي الكتابة النسوية في إنجلترا، وسنتأكد من ذلك عندما نتعرض لكتابها غرفة

تخص المرء وحده.


أفضل كتب فرجينيا وولفالسيدة دالاواى

أجمع النّقاد على أنّ هذه الرواية هي من أفضل ما كتبت فرجينيا وولف، إن لم يكن الأفضل على الإطلاق، كما أنّها تعدّ من أهم روايات القرن العشرين، وكان أهم ما يميز

رواية السيدة دالاوي، هو أسلوبها في سرد الرواية، والذي كان فريدًا من نوعه في تلك الفترة في عام 1925، وهو أسلوب تيار الوعي كما أوضحنا سابقًا. فبينما السيدة

دالاوي تُشرف على الاستعدادات المقامة لحفل المساء، هناك مونولوجًا داخليًا يدور بداخل عقلها قاطعًا كل ما يحدث من أحداث، متنقلًا بالزمن بين ما حدث سابقًا، وبين ما

يحدث في هذه اللحظة.


تدور أحداث الرواية عبر يومٍ واحدٍ من الزمن، منذ بدايته وحتى نهايته، حيث نجد السيدة كلاريسا دالاوي تستعد منذ الصباح لإقامة حفل كبير ببيتها في المساء. تغوص بنا

فرجينيا وولف داخل ما يجول بنفس السيدة دالوي من أفكار، ومن ذكريات في ذلك اليوم الذي سيصبح يومًا غير عادي.


وبرغم أنّ الرواية سُميت على اسم السيدة دالاوي، إلا أنّها لم تكن الشخصية الوحيدة المحورية في الرواية، فهناك شخصية سبتيموس سميث، وهو الرجل المُصاب بمرض

عقلي، نتيجة مشاركته في الحرب، ومشاهدته لكل فجائعها وويلاتها، وهو الذي يقوم بدورٍ هامٍ للغاية.


فقد تحدث الكثير من النّقاد عن كون سميث هو الشخصية التي ترمز لشخصية فيرجينيا وولف في الحقيقة، حيث هناك الكثير من التشابهات بينهما، وكان أهمها هو

ميولهما للأفكار الانتحارية، وإحساسهما بعبثية وقسوة الحياة.


“ها هو الموت في قلب حفلتي”.
“الموت هنا تحدي. الموت محاولة للاتصال. في الموت ضمّة عناق”.
“لو أن الموت جاءني، لكانت سعادتي قصوى”.

هذا ما قالته السيدة دالاوي عندما علمت أنّ هناك رجلًا لا تعرفه، قرّر أن ينتحر بإلقاء نفسه من فوق بناية عالية، وهي في الحقيقة تتمنى أن تصير إلى ما صار إليه،

فالسيدة دالاوي لم تكن سعيدة، وكانت تتساءل طوال الوقت عن السبب الذي يجعلها كذلك.

ومن المهم أن نعرف أنّ رواية السيدة دالاوي كأغلب روايات فرجينيا وولف، لا تصلح لسريعي الملل، حيث أنّها مليئة بالتفاصيل، والشخصيات، والأفكار، والتي تحتاج من

القارئ الكثير من التأمل العميق.


غرفة تخص المرء وحده

وهو الكتاب النَسوي بامتياز، والذي صوّرت فيه فرجينيا وولف حال النّساء في عصرها بشكلٍ عام، وفيما يخص الأدب والكتابة على الأخص. وكتبته بروح مختلفة عن باقي روايتها التي كانت تميل للكآبة، فجاء هذا الكتاب يحمل بعضًا من الخفّة والبهجة.

يحتوي الكتاب على مجموعة مقالات نقدية مُستندة إلى محاضرات ألقتها فرجينيا وولف في جامعة كامبيردج، تدور كلها حول تاريخ النساء والأدب.

“إذا أرادت امرأة أن تكتب الأدب، فيجب أن يكون لها غرفة تخصها وحدها، وبعض المال”.

بهذه الجملة لخّصت فرجينيا وولف كل ما تحتاجه المرأة كي تصير أديبة، وهو الشيء الذي لم يكن سهلًا أبدًا على النساء، وضربت مثلًا على هذا فقالت أنّه لو كان لشكسبير مثلًا أخت لديها نفس الموهبة التي يملكها، فلن يُمكنها أن تبلغ النجاح الذي وصل إليه هو أبدًا، لأنّها لن تملك الوقت الكافي للاطلاع على الكتب أو الكتابة نفسها بجانب كلما تقوم به من أعمال المنزل، ورعاية الزوج والأولاد، وغيرها من المسؤوليات التي تعيقها عن الكتابة، بعكس شكسبير، والذي كأي رجل آخر يملك كل الوقت والمال الذي يكفيه لتحقيق ما يُريد.

“حقيقةً، سأقول يقينًا أنّ كل تلك القصائد المذيلة باسم مجهول، ما كتبها سوى نساء”.

تحدثت فيرجينيا وولف من خلال الكتاب أيضًا عن الاضطهاد الذي كانت تُعانيه المرأة في عصرها، فمن الغريب أن نعرف مثلًا أنّ النساء في عشرينات القرن الماضي في إنجلترا، لم يكن يُسمح لهنّ بالمشي على العُشب في الجامعة، وهوما كان مسموحًا للرجال فقط، وأيضًا في ذلك الوقت، كان لا يحق لأي فتاة أن تدخل المكتبة إلا برفقة رجل، أو معها توصية بخط اليد من إدارة الجامعة.

بخلاف موضوعات أخرى كثيرة كلها تتعلق بالمرأة، مثل رفض الرجل لمساواته مع المرأة ومحاولاته الدائمة للتقليل من شأنها، وعن النظرة الدونية التي تنظر بها المرأة لنفسها، وغيرها من الموضوعات الهامة التي جعلت من هذا الكتاب كتابًا نسويًا رائدًا في هذا المجال، وواجبٌ قراءته على كل فتاة أو امرأة.


اورلاندو


رواية أورلاندو ما هي إلا سيرة ذاتية لصديقة فرجينيا وولف، الأديبة (فيتا ساكفيل ويست)، والتي أضافت لها فرجينيا بُعدًا خياليًا جامحًا بعض الشيء. وهي الرواية التي

جمعت بين ما تضمنته كتبها السابقة كلها من أسلوب تيار الوعي المستخدم بوضوح في الرواية، والبُعد النسوى القوي، وأيضًا كانت من القلائل من الكتّاب في ذلك الوقت

الذين تحدثوا بهذا الوضوح عن الجنسانية، وعن أزمة الهوية الجنسية.

أورلاندو.. كما صوّرته فيرجينيا وولف في روايتها، كان شاعرًا ودوقًا إنجليزيًا نبيلًا يعيش في القرن السابع عشر، نام ذات ليلة، فصحا من نومه وقد تحول إلى امرأة

جميلة، وشاعرة أيضًا، وليس هذا فحسب، بل تنّقل أورلاندو عبر الأزمنة المختلفة في بريطانيا، ليعاصر كبار أدباء وشعراء كل عصر، أمثال شكسبير، وجوزيف أديسون،

وغيرهما، ولمدة أربعمائة عامٍ كاملين.

استطاعت فيرجينيا وولف في كتابتها لرواية أورلاندو والتي تحمل هذا الخيال العظيم، أن تتقمص شخصية الرجل، وشخصية المرأة بنفس الدرجة، فعبرت عن مشاعرهما

المختلفة، وعن أفكارهما تجاه الجنس الآخر، وكيف اختلفت هذه الأفكار حتى، بتحول أورلاندو من رجل إلى امرأة، وكيف أنّ لملابسنا تأثير على هويتنا، وغيرها من الأفكار

العميقة والتي تجعلك تتأمل فيها كثيرًا.

في النهاية، فإنّ فرجينيا وولف كاتبة ذات ثقل أدبي مهم، تُدرَّس روايتها بأقسام الأدب الإنجليزي، كما أنّ رهافة مشاعرها أكسبت هذه الروايات لمحة شاعرية جميلة،

ستروق حتمًا لكل قارئ متذوق جيد للأدب.