كافكا
البطل الشاب فى الخامسة عشر من عمره، والذي يقرر أن يهرب من منزله يوم عيد ميلاده بعد الكثير من التخطيط على مدى سنواتٍ، في البداية لا نعرف لماذا يهرب كافكا؟ من عنفٍ منزليٍّ؟ من أبٍ مهملٍ؟ أم مجرد لعدم إحساسه بالألفة مع العالم الذي يعيش به في العاصمة؟
خلال أحداث الرواية يخبرنا الكاتب عن الأسباب ولكن في غمار السرد الساحر ننسى كل هذه الأسئلة، يهرب كافكا لمدينةٍ أخرى لا يعرف لماذا اختارها؟ ويقرر أن يقضي وقته في المكتبة التذكارية لإحدى العائلات اليابانية الشهيرة، وهناك يتعرف على أوشيما ومديرة المكتبة الآنسة سابيكي.
تصبح المكتبة مقره الدائم ويعيش بها ليعرف في النهاية أن اختياره للمدينة أو للمكتبة ليس عشوائيًّا كما ظن، ولكنه أتى إلى هنا ليكمل مصيره ويعرف الكثير مما خفي عنه في ماضيه، ويصبح له حق اختيار مستقبله ما بين الحياة والموت.
كافكا فتى شجاع لا نستطيع سوى أن نعجب به رغم كل تخبطه وأخطائه، ونشفق عليه من المصير الذى رغبه له والده ونتساءل طوال الوقت هل ستتحقق لعنة والده أم لا؟
العجوز الذى يستطيع التحدث بلغة القطط، وجعل من البحث عن التائه منها وظيفته بجانب المعونة التى يحصل عليها من المحافظ، نقابل نكاتا فى أحداث الرواية في مرحلتين عمريتين مختلفتين، مرة وهو طفلٌ صغيرٌ والأخرى في شيخوخته.
نكاتا الصغير طفلٌ عاديٌّ مثل بقية الأطفال لكن يصاب في حادثةٍ غامضةٍ ويدخل في غيبوبةٍ طويلةٍ ليخرج منها شخصًا آخر، لا يتذكر كل معارفه السابقة، ولا يستطيع القراءة ولا تحصيل العلم والأهم فاقد لنصف ظله، وهو الظل الذي جعله يجوب البلاد بحثًا عنه ليكتمل مرةً أخرى.
يرتبط مصير كافكا مع ناكاتا في حادثةٍ واحدةٍ رغم عدم لقائهم، ليقرر ناكاتا أن يذهب في رحلةٍ يبحث خلالها عن ظله، ويساعد الصبي الذي لا يعرفه، وبما أنه لا يملك الخبرة ولا المعرفة يقرر الذهاب بطريقة الأتوستوب مع السائقين.
ويصل في النهاية إلى هدفه ويحقق مصيره بالاشتراك مع سائق الشاحنة الشاب هوشينو.
كلاهما كان أحد العوامل الأساسية في وصول البطلين إلى مصيرهما المحتوم، فأوشيما هو من ساعد كافكا في الحصول على عملٍ في المكتبة، وأعطاه الكثير من المعارف التي لم يكن يدري بها، كان له نعم الرفيق وجعله يعيش في كوخه في الغابة لفترةٍ، وهي التجربة التي ساعدت كافكا في النهاية على الوصول إلى قرارٍ بخصوص مستقبله الغامض.
وشخصية أوشيما في حد ذاتها جذابةٌ للغاية، بهدوء طبعه وتصالحه مع نفسه، ومعارفه الواسعة التي لا يبخل بها على الآخرين.
أما عن هوشينو فلولاه لما استطاع ناكاتا أن يحقق مهمته، فقد قام بالكثير من الخطوات بنفسه وهو من أنهاها كذلك، والأهم المساعدة غير المشروطة التى قدمها للعجوز الذي التقاه بالصدفة أثناء مروره بشاحنته، وقرر أن يعوض من خلاله تركه لجده ليموت وهو بعيدًا عنه.
كما قلت كانت هذه هي تجربتي الأولى مع الأدب الياباني ونافذة على هذا المجتمع المختلف، والأدب يعتبر أحد الوسائل التي ممكن من خلالها أن نتعرف على المجتمعات الأخرى حتى لو كانت رواية خيالية مثل روايتنا.
وكانت أول ملاحظاتي هي استغراب الجميع من عدم قدرة ناكاتا على القراءة، كما لو كانت هذه معجزة في حدّ ذاتها، أي أن نسبة الأمية في هذا المجتمع شبه معدومة.
أما عن كافكا فكان يعامل هروبه من الدراسة كسرٍّ رهيبٍ يحاول إخفائه لأنه في حالة معرفة شخص ما أنه لازال طالبًا متسربًا كان هذا يعني عودته إلى منزله في الحال، فإلى هذه الدرجة بلغ اهتمام هذه المجتمع بالتعليم.
وكذلك استخدام العجوز طريقة الأتوستوب في تنقلاته بهذه السهولة من دون قلقٍ ولا خوفٍ، فأول ما خطر في بالي في أثناء القراءة أن هوشينو سوف يسرق أمواله، ويلقيه على قارعة الطريق على الأقل إن لم يقتله كذلك، فمستوى الأمان واحترام كبار السن مختلفٌ تمامًا عن المجتمعات العربية والواقع الذي نعيشه.